أخبار العالم

*في جمهوريات الموز وممالك الرمال*

في جمهورياتِ الموزِ، حيثُ الوجودُ ثمرةٌ معلَّقةٌ في فراغِ العبثِ، لا عقلَ يُنيرُ هوَّةَ الروحِ، ولا منطقَ يُنقذُ الإنسانَ من لعنةِ الصمتِ. الحريةُ هنا ظلٌّ يرتجفُ في مرآةٍ مكسورةٍ، تُطاردُها أشباحُ السلطةِ، وتُذبحُ على مذبحِ الوهمِ المقدَّسِ. في ممالكِ الرمالِ، الوطنُ لغزٌ ميتافيزيقيٌ، كلمةٌ تُكتبُ على جدارِ الزمنِ، ثم تتلاشى كالسرابِ. المسؤوليةُ غيابٌ، والعقلُ تهمةٌ، والسؤالُ جريمةٌ تُعاقبُ بالنفيِ إلى صحراءِ النسيانِ، حيثُ لا إجابةَ، ولا معنىً، ولا أثرٌ للإنسانِ. يا أيها الحاكمُ، تاجُكَ من دخانٍ، وعرشُكَ وهمٌ يطفو على بحرٍ من أرواحٍ مُغتصبةٍ. تبيعُ الشعبَ في أسواقِ العبوديةِ، وتُلبسُ الزيفَ ثوبَ الحقيقةِ، وتُسمِّي الخوفَ أماناً، والقيدَ إيماناً، والموتَ حياةً في مسرحِ السلطةِ العبثيِّ. أينَ الثمنُ؟ أينَ قيمةُ الإنسانِ؟ دمٌ يُسفكُ كماءٍ رخيصٍ، وأحلامٌ تُدفنُ تحتَ رمالٍ لا تُشبعُ جوعَها. في جمهورياتِ الموزِ، الوجودُ سجنٌ، وفي ممالكِ الرمالِ، الحقيقةُ ظلٌّ يهربُ من ذاتِهِ، يبحثُ عن معنىً في عالمٍ يُنكرُ المعنى، ويُعلِّقُ الإنسانَ على صليبِ الانتظارِ الأبديِّ. لكنْ، أيها السادةُ، اسمعوا صمتَ الرمالِ، ففي صمتِها همسُ ثورةٍ لا تُرى، وفي غبارِها أنفاسُ شعبٍ يرفضُ العبثَ. العقلُ، وإنْ كُبِّلَ، هو بذرةُ النورِ في ليلِ الوجودِ، والحريةُ، وإنْ سُجنتْ، هي اللغةُ الأولى للكينونةِ، تنبضُ في قلبِ الإنسانِ، كأنَّها المارد الذي لا يموتُ. في جمهورياتِ الموزِ، سينهارُ الموزُ، ليسَ لأنَّهُ فاسدٌ، بل لأنَّ العبثَ لا يصمدُ أمامَ السؤالِ. وفي ممالكِ الرمالِ، سينطقُ الغبارُ بلغةِ الحقِّ، ويكتبُ التاريخَ من جديدٍ، لا بأقلامِ الطغاةِ، بل بجراحِ الشعبِ، وبصوتِ الضميرِ الذي يرفضُ أن يُساومَ على جوهرِهِ. يا أصحاب المعالي والسمو والجلالة، الزمنُ ليسَ ملكَكمْ، فالشعوبُ حينَ تستيقظُ، لا تُعيدُ ترتيبَ الأوهامِ، بل تُعيدُ صياغةَ الوجودِ ذاتِهِ، تُعيدُ تعريفَ الإنسانِ، تُحرِّرُ العقلَ من أغلالِ الخوفِ، وتزرعُ الحريةَ كشجرةٍ ميتافيزيقيةٍ، جذورُها في الأرضِ، وأغصانُها تمتدُّ إلى ما وراءَ النجومِ، حيثُ لا سلطانَ إلا للمعنى، ولا عرشَ إلا للكرامةِ، ولا وطنَ إلا للإنسانِ الذي يُدركُ أنَّهُ، في النهايةِ، هو السؤالُ، وهو الإجابةُ، وهو الثورةُ التي لا تنتهي.

همام حسين علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى