هجرة العقول: نزيف خفي يهدد مستقبل الوطن العربي

تعدّ هجرة الكفاءات والعقول من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في العصر الحديث، حيث تغادر نخبة العقول من أطباء، مهندسين، باحثين، وأكاديميين أوطانهم نحو الدول الغربية، بحثًا عن بيئة تقدر مهاراتهم، وتوفر لهم فرصًا للنجاح والتطور. إن الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى الهجرة كثيرة، منها ما هو اقتصادي كضعف الرواتب والفرص، ومنها ما هو إداري مثل الفساد والمحسوبية، ومنها ما هو اجتماعي أو سياسي كغياب الحريات أو التقدير. وفي المقابل، تقدم الدول المستقبلة تسهيلات مغرية، بيئة علمية متقدمة، وأبوابًا مشرعة أمام الإبداع. النتيجة الحتمية لذلك هي خسارة الوطن العربي لرأسماله البشري الأثمن، وتباطؤ مسيرة التنمية، حيث تعتمد النهضة في أي مجتمع على فكر وخبرة وسواعد أبنائه. ولعلّ المؤلم أن الكثير من هذه العقول اللامعة تجد التقدير والنجاح في الخارج، في حين كانت مهددة بالتهميش في بلدانها. إن التصدي لهذه الظاهرة لا يكون إلا بتبني سياسات حكومية واضحة لاحتضان الكفاءات، وتوفير بيئة محفزة على البحث والابتكار، إضافةً إلى إصلاحات جذرية في أنظمة التعليم والعمل، والعمل على استعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. إن هجرة العقول ليست مجرد سفر أفراد، بل هي رحلة فقدان جماعي للأمل. وإعادته تبدأ من تقدير الإنسان وعلمه، قبل أن نطلب منه البقاء.

الدكتورة هيام الرفاعي