الوفاء

أعرف أنك تظن أنك شديد الذكاء ، وأعرف أنك تظن أن قلبك شديد الصفاء ، وأعرف أنك تظن نفسك الدفء في الشتاء ، وتقول لنفسك دائماً أنك شاعر الشعراء وتقول أيضاً أنك أعظم العظماء ، كل هذا تقوله لنفسك وكلما تقوله يذهب في الهواء ، لأنك ربما لا تعرف معنى الوفاء ! الوفاء عملة نادرة هذه الأيام ومقياس هذا الوفاء لا يتضح إلا بعد إنتهاء المصالح المُشتركة بين الطرفين ، والعجيب في هذه الصفة ، أنك تجد من لا يمتلكها ، يتكلم عنها كثيراً ويسرد الكثير من المواقف التي تُثبت أنه أوفى الأوفياء وفي ذلك دليل قاطع أن هذه الصفة ليست عنده ، فمن يمتلك خبزاً دوماً في بيته لا يتكلم عن وجوده لأنه دائماً موجود . لقد خالطت الكثير والكثير من الجنسيات والكثير من أنواع البشر من كل الأعمار تقريباً ورأيت تخلي ورأيت وفاءاً ورأيت أن نسبة الوفاء تزيد كلما كان عمر الإنسان أصغر، أي أن نسبة الأوفياء تزيد في المراحل السنية المُبكرة ، لأنهم لم يتعرضوا للكثير من الصدمات التي تجعلهم عكس ذلك ، فتجدهم يدافعون عن من يحبون بكل ما استطاعوا من قوة لأن مخزون الوفاء لديهم وفير ولم يتلوث ولكن هذا المخزون يقل في كل مرة يتعرضون فيها لصدمة من الصدمات في حياتهم ، والتي تجعلهم يوجهون سؤالاً مهماً لأنفسهم وهو : لماذا أظل وفياً لإنسان لا يعرف معنى الوفاء؟ وبذلك يتغير لديهم طعم الصفاء ويقررون ألا يُعطون كل ما يمتلكون من وفاء وبالتالى يقل ، نتيجة لعدم لاستعماله أو يتغير ولا يكون وفاءاً صافياً مثل الماضي ، وفاءاً مع ترقب ، وفاء مع حذر ، وفاء مع قلق ، قلق من أن يتكرر شيء مما مضى وبذلك لا يرجع مثلما كان في الماضي . ولكن هل معني ذلك أن هذه الصفة غير موجودة عند الكبار ؟ لا بالطبع موجودة ، ولكنها على ما أعتقد نادرة جداً جداً ، ولكل إنسان نصيب من هؤلاء في الحياة لا يتعدى عدد أصابع اليد الخمس وربما أقل وعليه أن يعتني بهم جيداً ، فهُم الزهور التى ما زالت لها رائحة في زمن أصبحت الزهور فيها بلاستيكية لا روح فيها ولا رائحة .وهُم النجوم فيما نرى من سماء ونراهم دائماً في ظلامنا ضياء، ووسط كل ما نرى من تلوث في كل شيء حولنا ، يكونون لنا نقاء، ومع كثرة المغادرين قررنا سوياً ألا نغادر وفضلنا البقاء . وإذا رأيناهم بعد فترة ولو كانت كبيرة تكون لنا شفاء ، شفاء لما قابلنا من شقاء ، فهُم يجددون ما هُدم في أرواحنا من بِناء ، ومعهم نتعرف على الطعم الأصلى للوفاء .

محمد الشريف