دروس الشتاء
أشعر بالأُلفة في أماكن قليلة الآن، ومن بين هذه الأماكن القليلة جداً ، المكان الذي أُعطي به دروسي ، فأُحب كل شيء بالغرفة ، الطاولات ، الكراسي ، الحوائط وما هو مُعلق عليها ، الكُتب الغير مُرتبة على المكتب ، شكل السبورة بعد الكتابة عليها ، عيون الطلاب بعد فهم الدرس وهي تلمع ، شعورهم بعد إجابة الأسئلة ، انتقالهم من مرحلة إلى مرحلة ، لحظات الفرح حتى لحظات الإحباط لا يمكن أن نتجاهلها فهي جزء من التركيبة . دروس الشتاء وما تحمله من دفء بين الطلاب ، حيث البرد الشديد بالخارج والدفء التام بالداخل وكأننا انتقلنا من عالم لعالم في خطوة واحدة ، ليبدأ العمل وتبدأ المواقف في الظهور وتبدأ العقول في الانفتاح وتبدأ المباراة اليومية التى تحمل الكثير والكثير والتي أجدها أكثر إثارة من مباريات كرة القدم التي كنت التى أُشاهدها بشغف من قبل والتي لم تعد تجذبني الآن وصار ذلك يجذبني جداً ببساطة لأنه مفيد وأراه ثمين . لم أشعر كم يُمثل لي هذا المكان وهذه الأشياء إلا في اللحظة التي حدث لي ظرف منعني لفترة من الذهاب له ، شعرت حينها بشعور غريب ، شعور العائد إلى الحياة ،فجلست أتأمل كل شيء بتمعن وقُلت لنفسي ، لماذا لم أُلاحظ من قبل أن هذه الأشياء جزء مني وفقدانها جعلني أشعر بعدم اتزان في مجرى حياتي وضغط العمل الذي كنت اشتكي منه دائماً ، أدركت أنه نعمة من الله لم أكن أُقدرها لأن هذا الضغط يُمكن أن يُستبدل في أي لحظة بما هو أسوأ . يوم دراسي مُختلف ، مليء برائحة المطر ، الذي تدخل رائحته مع كل طالب يدخل ليحتمي بالمكان الذي ترك منزله في هذا الجو من أجل القدوم إليه ، وأظنه جاء ليأخذ شيئاً ثميناً قبل أن يعود مرة أخرى الى بيته ، لذلك أسعى دائماً لتقديم ماهو مُفيد ، لكى يكون كل ذلك ذكرى طيبة عندما ينتهي هؤلاء الطلاب من دراستهم .
محمد الشريف