ثقافة وفن

عالم الصمت

في عالمٍ يملأه الصمت، تنفجر العواطف وتَكتبُ الصحراء قصصها على الرمال الذابلة. يتجلى أمامنا مشهدٌ متناقض، حيث تتسع رقعة الصحراء يوماً بعد يوم، بينما تتسلل خضرةٌ ريانَةٌ، ناعمة، نحو التربة القاسية. هنا، نجد أنفسنا في قلب تجربة فلسفية عميقة، تهزّ كياننا وتجعلنا نستسلم للتساؤلات. ما الذي يجعلنا نشعر بالتصحر؟ هل هو شعور الخواء النفسي، حين تنزف أرواحنا تحت شدة الحرارة، تاركة خلفها ذكرياتٍ مُرّة، مثلما تترك الرياح آثارها على سطح الرمال؟ أم أنه التصحر الانفعالي، حين تُحسِّر لنا الأفعال قبل الكلمات، ويغدو الشغف في قلوبنا كخيوط العنكبوت، بسيطة لكنها مرهقة. لقد عايشنا الرومانسية كحالةٍ من الطيران الحر، حيث نصل إلى سماء الأمل، لنفاجأ بغيوم عاصفة تلوح في الأفق. لكن في داخل هذه العاصفة، تبرز لحظات من الخضرة، جميلة وداكنة، تذوقنا روعة الارتباط، قبل أن تُدمرها قسوة الواقع. فهل نحن ملزمون بمواجهة هذا التصحر، أم أن علينا استقبال الحياة بكامل ألوانها، بما في ذلك الألم؟ إذن، كيف نتصرف حين تزداد رقعة الصحراء رغم اللمسات الخضراء التي تظهر هنا وهناك؟ هل نُركض نحو الخضرة، أم نقبل بالواقع المؤلم؟ هنا يعيدنا الفكر الصوفي إلى حضن الوجود، حيث يتحلى كل شيء بالمعنى، حتى المحن. فربما يكمن الإلهام في كينونة الأمور، حين نتأمل جوهر النقيضين: حياةٌ ضاجة بالألوان مقابل شغفٍ مكسور، نُدرك أن الجمال ينبع من الخسارة كما ينبع من السعادة. لنبدأ رحلة الاستكشاف داخل ذواتنا، لنجد الجذور، الراسخة في قلب التصحر، ونسمح للنمو أن يدخل إلى أرواحنا، رغم السخرية والمرارة. إن النفس الصوفية تعيد تكوين أبنيتنا الداخلية، فكل تجربة، خضراء كانت أم صخرية، تُضيف فصولًا جديدة إلى روايتنا الإنسانية. تذكر، عزيزي القارئ، أن التصحر الذي نعيشه ليس النهاية، بل هو دعوة للنمو، للتجذر في عمق الأرض، وللإصرار على إحداث التحول. إنه دعوة للإحتفاء بالعواطف بكامل قوتها، وللعيش بحريةٍ تنبع من الاعتلاع على التضاد. فالصحراء والخضرة هما وجها عملة واحدة، في رقصٍ دائري يحاكي حياة نبضها الأمل والشغف.

همام حسين علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى