ثقافة وفن
*الرصيف الأخير*

يا سيّدةَ الظلالِ التي مرّتْ كالحلمِ،
على الشفاهِ بقايا قُبلةٍ كأنّها صرخةٌ مكتومةٌ،
وفي اليدِ، حقيبةُ العمرِ،
تُلقي بثقلِها على كتفِ الرحيلِ.
لوّحتِ بالقبّعةِ، فغشّى الميناءَ بياضٌ،
ليسَ بياضَ الحمامِ،
بل بياضَ العدمِ،
أو بياضَ اللحظةِ التي يُذبحُ فيها الزمنُ.
أيادٍ تلوّحُ،
أشجارٌ من بشرٍ تتناثرُ،
ومناديلُ تعتصرُ الوجعَ،
لا الدمعَ.
السفينةُ ابتلعها الأفقُ،
صارتْ نقطةً سوداءَ في لوحةِ الصمتِ.
غادرَ المودّعون،
أشباحٌ تمشي فوقَ رمالِ النسيانِ.
الحمامُ تفرّقَ،
صارَ هواءً،
أو غبارًا في عينِ الوجودِ.
قلبي هنا،
على هذا الرصيفِ المالحِ،
كهفٌ مهجورٌ،
تتراقصُ فيهِ أشباحُ الذكرى.
تفتّشُ عن ظلِّ قبعةٍ،
عن همسِ قبلةٍ،
عن معنىً ضاعَ في زحمةِ الرحيلِ.
ولم يتبقَّ شيءٌ،
غيرَ صمتٍ أثقلَ من حجرِ القبرِ.
السيدةُ،
التي كانتْ تلوّحُ،
هل كانتْ حقيقةً؟
أم وهمًا من نورٍ،
مرَّ في ليلٍ طويلٍ؟
الكونُ الآنَ،
صحراءُ من فراغٍ،
والزمنُ،
ليسَ إلا دقاتِ قلبٍ يحتضرُ.
ولم يبقَ لي،
سوى هذا الصدى المرتجفِ،
لسيدةٍ غابَ وجهُها،
وبقيتْ قبعتُها،
شاهدًا على موتِ الأشياءِ في الروحِ.
والسؤالَ الأزليَّ:
أينَ ذهبَ الضوءُ؟
وأينَ ذهبَ العمرُ؟

همام حسين علي