شِباك عرَبية

هؤلاء المُحبون للجلوس بجانب نافذة السيارة ، لم تكن صُدفة أبداً أنهم هكذا… تبدأ الرحلة بتحرك السيارة وعيونهم قد سرقتها ما تحمله هذه النافذة من حِكايات ، مع كل نظرة منها تنتقل من مرحلة لمرحلة من مراحل حياتك ، مرحلة تلو الأُخرى ترى فيها أشياء غير مُرتبة لكن تحمل الكثير من المعاني والغريب أنك لا تكتفي أبداً من النظر إليها مهما نظرت، ففيها أسرار ربما لا تراها إلا من خلال تلك النافذة والعجيب أن حكاياتها لا تتشابه أبداً في كل مرة تركب فيها ، لا تعرف متى تبدأ ولا تعرف متى ستنتهي. تحكي لك كل شجرة تمر بها كم مررت بلحظات مثلها مُثمرة ومن خلف الشجرة بُساط أخضر يمتد لمرمى البصر ، ثم تمضي الشجرة سريعاً تماماً مثلما مرت هذه اللحظات وتأتي شجرة أخرى لتحكي لك حكاية جديدة لكن مُختلفة ، وهكذا شجرة تلو الأخرى حتى تظن أن الطريق جنة صُممت هكذا لتراها أنت بهذه الطريقة . وترى شجيرات أُخرى حزينة لأنها لم تجد من يرويها ويعتني بها وتكاد تنطق وتبوح بما في داخلها وتقول لنا : أيها الناظرون لا أستحق هذا أبداً…لماذا زرعتموني وأنتم لا تعرفون حقاً معنى الإعتناء بما تزرعون ، لي عِتاب عليكم أيها الزارعون . وتمر بأماكن قد قُطعت أشجارها وحل محلها ما لايعوض جمالها أبداً… وبيوت يوجد بها أُناس ، وبيوت أُخرى تشتاق إلى ناسِها حتى تشعر أنها صامدة فقط لكي يظل ما بداخلها من ذكريات حي لا يموت ، تكاد أن تتكلم وتنادي على مَن تركوها هكذا ولا ترضى عنهم بديلا. وهكذا يتبادل الطريق حكاياته معك ، يحكي لك قصصه وتحكي له ما مررت به دون كِتمان ما لا يستطيع لسانك قوله لأحد ، يحكي لك وتحكي له لا يمل منك ولا تمل منه ولا تتذكر شيئاً مما حولك الآن وكأنك انتقلت لعالم آخر عند نظرك من هذه النافذة وعندما تصل، تُغلَق النافذة منتظرةً المرة القادمة التي تركب فيها لترى ما لاتتوقع أن تراه من ” شِباك العربية ” ، و ينتهي الطريق و لا تنتهي حكاياته و تكتشف فجأة أنك كنت لا ترى الطريق، وقد كنت في حلم حالاً منه تفيق.

بقلم / أ. محمد الشريف