“العلمانية والحداثة”

يخطئ من يظن أن العلمانية شيئ والحداثة شيئ ٱخر ، إنما هما وجهان لعملة واحدة رأسها العلمانية . إذاً ما وجه العلاقة بين الحداثة بوصفها أحد ابرز إفرازات الواقع الجديد الذي بدأ يفرض نفسه على حياة الإنسان في اغلب مجتمعات العالم في عصرنا الحالي لا سيما المجتمعات العربية وما بين الوجه الأّخر المتمثل بالغرب الذي غالباً ما ينطوي على تصورات نمطية قائمة لدى عدد غير قليل من العرب بما في ذلك بعض النخب الفكرية والاجتماعية بأن الحداثة هي بمثابة استعمار فكري وطمس للهوية والانتماء . والحداثة بوصفها ممارسة اجتماعية ونمط من أنماط الحياة يقوم على أساس التغيير والابتكار غالباً ما يرتكز تحديدها الى عاملين أساسيين هما : الثورة ضد التقاليد ، ومركزية العقل، وهي بهذا تمثل الإبداع الذي هو نقيض الاتباع, والعقل الذي هو نقيض النقل، وعلى وفق هذا التصور يعد التحديث الشكل الإجرائي الملموس للحداثة أو قد يوصف أحيانا بكونه مظاهر الحداثة وقشورها ، في حين ان الحداثة هي اللحظة الواعية التي تتمثل بانتظام العقلانية والفردية والعلمانية والقيم الحرة في اندفاعة حضارية قادرة على أحداث تحولات عميقة في البنية الاجتماعية للمجتمع بما في ذلك البنية العقلية للفرد وبما ينسجم ومتطلبات الواقع السائد، ولهذا اصبح بالإمكان القول ان الحداثة ليست وصفة فكرية جاهزة, بل هي عناء فكري وجهد عقلي فردي وجماعي ضد الذات التقليدية اساساً من اجل التخلص من مجتمع وثقافة عصور الانحطاط, وبناء مجتمع وثقافة حديثة, وهذا يعني ان الحداثة لا تقوم بذاتها, وانما تتأصل في النسق الاجتماعي الذي يشمل الوجهين المادي والمعنوي. فإن وجه الحداثة يعد من أخطر التيارات الفکرية الهدامة التى توجهت إلى الإسلام وثوابته . فالحداثة تحمل في ظاهرها بريقاً، وعلماً کبيراً، ولکنها في الحقيقة تحمل في داخلها الدمار الشامل، للشعوب، والمجتمعات، والأديان، مما يدعو إلى القول بأن الحداثة هي الصورة المتقدمة والمتطورة لبعض التيارات الفکرية الغربية الهدامة ” کالليبرالية ” و” العلمانية “، وذلك لأنه عندما شعر الغرب أن المسلمين يرتابون من ” العلمانية ” و” الليبرالية ” بدأوا يفکرون في بديل لهم، فابتکروا فکرة ” الحداثة “. وهذا التيار بدأت فکرته أولاً في الغرب، ثم ما لبث أن انتقل إلى بلاد المسلمين والعرب، وقد کانت بداية ظهور هذا التيار في مجال اللغة العربية، وعلى الأخص في الشعر والنثر، على اعتبار أنه أقرب طريق للإحساس والقلب، الذي إن فسد ، فسد بعده کل شيء، فدعا أولاً إلى تحرر الشعر والنثر من الوزن والقافية، ثم بدأ بعد ذلك يحارب العقائد والأخلاق والدين والعادات في صورة، أدبية، أو شعرية، متخفياً في الألفاظ والکلمات، ثم بدأ يفصح عن وجهه القبيح، وأصبح يعلن أفکاره ومبادءه علانية، وفي شتى الصور والمجالات تحت مسمى التطوير والتجديد والحداثة. وعلى الرغم من فساد هذا التيار وبطلانه، إلا أنه قد لقي ترحيباً وقبولاً کبيراً عند الكثيرين من المجتمعات الشرقية، سواء کانوا من الطبقة المثقفة أم من طبقة الشباب والعامة المنبهرين بثقافة الغرب وافکاره، والذين يحاولون أن يقلدوا الغرب في کل تحرکاته وخطواته، مهما کانت العواقب أو النتائج، متخذين من الحرية شعاراً لهم. لذلك وجب على مثقف حر شريف تعرية الفكر الهدام أما الرأي العام.

الدكتور محمد العبادي