في مكان ما

على طرف الزمن نفسه، يعيش سؤال صامت. سؤال ثقيل، يحمل في داخله ذكريات وحنين لا ينتهي. هناك، اليوم يختلط بالأمس، مثل ألوان متضادة تلتقي وترتاح مع بعضها. هذا المكان ليس مجرد نقطة على الخريطة، بل هو أرض خصبة تفيض بالأفكار والمشاعر، وطن ينسج نفسه بخيوط الأسئلة التي تحرق القلب.هذا السؤال الصامت يعكس شيئًا داخلنا، صراعًا تعيشه الأمة كلها. هو رمز لجروح عميقة، ولأسئلة كبيرة تبحث عن إجابات ولا تجدها. كيف يمكن لوطن أن يبني نفسه وسط هذا الصمت الثقيل؟ كيف يمكن لأبنائنا غدًا أن يجدوا جذورهم في ظلام التاريخ، بينما الإجابات تتكسر مثل خيوط عنكبوت في زوايا النسيان؟في وسط هذا المكان، توجد طاولة كبيرة. ليست مجرد طاولة عادية، بل مكان يلتقي فيه الماضي بالحاضر. طاولة سمعت كلام الآباء وضحكات الأطفال، وحملت ذكريات وتجارب السنين. رغم الضباب الذي يكتنف كل شيء، تبقى هذه الطاولة دعوة مفتوحة لنصل ما انقطع، لنبحث عن الإجابات الضائعة، ولنعيد بناء هويتنا التي ربما نسيناها أو تجاهلناها.على هذه الطاولة، تبرق الأفكار مثل نجوم في ليل حالك، تبحث عن أمل صغير. هنا، يبدأ الناس يشعرون ببعضهم، يحسون بروح الوطن، يختلط الألم بالأمل، والصمت بضحكات تأتي من القلب. البحث عن الإجابات ليس لشخص واحد، بل لنا جميعًا، لأجيال تسأل: هل ستأخذنا البوصلة إلى غد أجمل؟لكن السؤال يظل بلا صوت، يتردد في الظلام، خائفًا من المواجهة، خائفًا أن نفقد هوياتنا. الإجابات تحتاج إلى نظرة عميقة، تهدئ من ضجيج الأسئلة، وتفتح الباب لرؤى جديدة عن الوطن. ما هو الوطن؟ هل هو قوة جذوره في الماضي، أم المستقبل الذي نصنعه بأيدينا؟في هذا المكان المضيء، تدرك أن الوطن ليس مجرد خطوط على الخريطة. إنه نبض التاريخ، وعلاقاتنا ببعض، وأحلامنا معًا. الطاولة تبقى مثل مدرسة، تدعونا للمستقبل، تحاول فك لغز هذا السؤال الصامت، لتعيد الروح للوطن الذي يشتاق لنا، وتجعل هويتنا قوية في ضوء الأمل.وفي لحظات كهذه، حين تتنفس الأسئلة، تبدأ الأصوات ترتفع رويدًا رويدًا. الخيوط المنسية من الحديث تبدأ تتحرك. ترى الشوق للانتماء في عيون الناس حول الطاولة، يتمردون على الصمت، يريدون أن يفهموا ويتفاهموا ليواجهوا التحديات. يحلمون بجسور تربطهم بماضيهم، يعرفون أن التاريخ لا يُكتب من جديد فقط، بل يُقرأ بعناية لنصنع غدًا أفضل.الناس يشعرون أن التعليم هو المفتاح. يدعو كل واحد على الطاولة أن يعرف نفسه أكثر، يعود للجذور، لقصص الأجداد، لتضحياتهم التي صنعت هذه الأرض. التعليم يصبح الطريق لفهم الوطن، لمعرفة الانتماء، ولفتح أبواب جديدة تضيف للتاريخ ولا تمحوه.ومع الحديث، المشاعر لا تقتصر على الألم. ينمو الأمل والشجاعة. الناس يبنون جسورًا من التفاهم، يرون بعضهم بعضًا، يدركون أن لكل واحد قصة تضيف للوطن شيئًا خاصًا. كل عائلة، كل جيل، يعطي الوطن لونًا جديدًا يجعله أقوى.الأحلام تظهر في الأفق، والناس يفهمون أن تحرير الإجابة عن هذا السؤال الصامت يحتاجنا معًا. يفكرون كيف يعيدون بناء الحديث والعلاقات، يجعلون الأسئلة شيئًا يوحدهم بدل أن يفرقهم. العمل معًا يفتح أبوابًا جديدة، يخلق مكانًا للحوار، ولإجابات تعيد الحياة لما كان رمادًا.وهكذا، بينما نرتب أفكارنا وقلوبنا على هذه الطاولة، تنتقل الرسالة منا للمجتمع كله، للأحياء والمدن، ولكل من يستطيع مساعدة أبنائنا على التغيير. الوطن يصبح فكرة حية، مكانًا للإبداع والحلم، حيث يعيش الناس بكرامة، وكل زاوية فيه تحكي قصة أمل.في النهاية، السؤال الصامت ليس إلا دعوة لنخرج من النسيان إلى النور. نور يأتي من عزيمتنا وإرادتنا للتغيير. الوطن، رغم كل شيء، يبقى حيًا، يعيد تشكيل نفسه بشجاعة. الحديث بين الأجيال يستمر، يجمع بين ماضينا الجميل وأحلامنا للغد. كل طاولة تصبح فرصة جديدة، تنسج الأمل، وتعيد بناء أرواحنا، ليبقى الوطن إنسانيًا في قلبه.

همام حسين علي