بعلبك في التاريخ

هذه بحوث نعالج فيها تاريخ مدينة بعلبك ، في التاريخ الاسلامي ، قديمها وحديثها ، مساجدها ومدارسها ، علمائها وعالماتها ، عاداتها وتقاليدها .
كانت هذه المدينة ، عبر الازمنة البعيدة ، والادوار الكثيرة المتعاقبة موضع عناية وإعجاب الامم القديمة والحديثة ، على اختلاف نزعاتهم وتباين مناهج تفكيرهم . ولعل موقعها الوسط ، بين بضع مدن – عرفت بشموخها التاريخي – كدمشق ، وحلب وغيرهما ، أهلها لاحتلال هذه المكانة المرموقة ، بين المدن التاريخية المعدودة ، عبر الخطوط التجارية البعيدة . بالاضافة الى ما اضفت عليها الطبيعة ، من مزايا كثيرة ، كاتساع رقعتها ووفرة مائها ، وجمال بساتينها ، وكثرة خيراتها . بل كانت عناية الله سبحانه وتعالى بها وباهلها عظيمة . اذ خصها في غابر الازمان ، بارسال نبي يقوم بواجب الدعوة الى الله تعالى ، ويتولى تعريف الخلق بواجبهم نحو الخالق العظيم . كما قد ورد ذكرها في التنزيل ، حيث يقول سبحانه : ( وإن الياس لمن المرسلين ، اذ قال لقومه ألا تتقون ، أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ، الله ربكم ورب آبائكم الأولين ). وهذا يكاد يكون موضع إجماع من علماء التفسير . وردد ذكرها كثيرون منكبار المؤرخين المسلمين . وهناك وجه آخر مفاده : ان الياس نسب الى جبل الكرمل . ويكون على النحو التالي : ورد اسم”بعل” لدى جميع شعوب شرق المتوسط وبلاد ما بين النهرين ، فالكنعانيون كانوا يدعونه “بعل” والفينيقيون كانوا يدعونه “بعلت جبيل ” او سيدة جبيل ، وحرف فيما بعد فاصبح “بعل” اي السيد. وفي قرطاجة كان الفينيقيون يدعونه ” بعل هامون ” وكانت زوجته تدعى “تانيت “. ورد اسم بعل في حفريات رأس شمرا وكان مقره يدعى “سامون ” وعرف ببعل سابون وهو قريب من حيث طقوس عبادته من بعل جبل الكرمل حيث حاول النبي الياس ان يردع الناس عن عبادته . وفي حماه بسوريا كان الآراميون يدعونه ” بعل شامان ” اي سيد السماوات وكانت تبدو برفقة الآلهة “شامس ” اي الشمس وشحر اي القمر . وفيما بعد حذفت الالف والنون من اسمه اختصاراً فاصبح يدعى بعل الشام . وفي غير حماه كان يدعى ” بعل – حداد ” ويمثل – عندهم- القوة الخارقة والقادرة على كل شيء . فيطلق العواصف والرياح وينزل المطر . وهو اكبر الهة اوغاريت في رأس شمرا . وورد ذكر بعل في التوراة ليعني ” الآلهة الزائفة ” . اما في القرآن الكريم فقد ورد ذكره في سورة الصافات : ( وأن الياس لمن المرسلين ، اذ قال لقومه الا تتقون ، أتدعون بعلاً وتذرون احسن الخالقين ، الله ربكم ورب آبائكم الاولين ). وفي مكان آخر يشير سبحانه وتعالى في السورة ذاتها الى ان بعلا كان منحوتاً من الصخر وذلك في قوله تعالى : ( قال أتعبدون ما تنحتون ). هذه التسميات تدعو الى الاعتقاد ان جميع هذه الشعوب كانت تدين بصنف واحد من القوة الخارقة تضرع اليها لتدفع عنها اذى العواصف والرياح ، او تستسقيها خير المطر . ولعل التسميات المتقاربة هي تحريف لها حسب اللغة والمكان . وبعلبك قد تكون مركبة من كلمتي ” بعل” Ba’al وبقاع او بكاع Bekaa فيما بعد الى كلمة بك Bek بعد ان حذفت منها الالف والعين او الحرفين a a فاصبحت تلفظ بعل – بك Ba’al – Bek . واطلق على المعبد والموقع في البدء اسم الآلهة كاملاً ثم احتفظ هذا الموقع فيما بعد بهذه التسمية الى يومنا هذا . ضبط اسم المدينة بعد التعريب بعلبك : بالفتح ثم السكون، وفتح اللام ، والباء والكاف مشددة ، واسمها مركب من بعل ، اسم صنم ، وبك ، اصله من بك عنقه أي : دقها ، وتباك القوم ، أي ازدحموا . فإما ان يكون نسب الى الصنم بك ، وهو اسم رجل ، او جعلوه يبك الاعناق . هذا ان كان عربيا ، وإن كان اعجمياً فلا اشتقاق .المعجم . بعلبك كما يصفها صاحب معجم البلدان . صاحب المعجم ، المؤرخ ياقوت الحموي ، يصف بعلبك بقوله : مدينة قديمة، فيها ابنية عجيبة ، وآثار عظيمة ، وقصور على أساطين الرخام ، لا نظير لها في الدنيا . وصف آخر كماوصفها آخر بقوله : هي هيلو بوليس القديمة ، موقعها قرب نبع العاصي الشهير كانت قديماً مدينة عظيمة ، من احسن المدن وأمنعها ، وكان فيها أسواق عديدة ، وسور عظيم ، تراكم عليه السيل مرة فدفعه ، وطغت المياه فوق المدينة ، فدمرت منها ما ينيف عن الألف وخمسمائة بيت ،وهي شهيرة في قلعتها البديعة البناء ، بأركانها وأعمدتها وحجارتها الهائلة ، وفيها كثير من الاعمدة ،مسقوفة بألواح حجرية، ذات نقوش مختلفة الاشكال ، يصعد اليها من داخل بعض الاركان،وجميع هذه الابنية محكمة الوصل ، كأنها حجر واحد. من بنى القلعة يزعم البعض ، انها من بناء سليمان بن داود عليهما السلام ، ويزعم آخرون ، انها بناء فينيقي ، وفيها حجارة لا توجد في غيرها من قلع الدنيا ، وهيكل وأعمدة ، ونقوش ورسوم ملأوا بها المتاحف . ونقول هنا ؛ لا بد من التفريق بين القلعة العربية الاسلامية والمعابد الرومانية . فالقلعة بنيت على مراحل مختلفة، فحين نجد ان البرجين المشيدين الى الغرب من معبد جوبيتر ، يعودان الى الحفيد الثاني لصلاح الدين الايوبي ، من اخيه نورمشاه الذي وصل بفتوحاته الى اليمن السعيد ، من صنعاء الى عدن ماراً بتعز ، والمدعو ملك الامجاد “بهرمشاه “. ونجد بالتالي ان الجامع والمدرسة المشيدين الى الجنوب الشرقي من معبد باخوس ، يعودان الى السلطان قلاوون المتوفى -١٢٩٠ م. في سنة ٦٨٩ هـ . اما المعابد الرومانية ، فقد بنيت فوق معابد أقل قدراً منها ، ويظهر قسم من هيكلها في ضمن معبد جوبيتر . وهذه المعابد الرومانية ، بنيت فوق معابد اكثر قدماً تعود الى العصر البرونزي الأوسط ، اي حوالى القرن الثلاثين قبل الميلاد . وفي القلعة جامع ابراهيم الخليل عليه السلام ، وسيأتي في بحث موضوع المساجد .

الكاتب ؛ لميس الرفاعي
المؤلف : الشيخ قاسم الرفاعي