رمضان كريم

يهل علينا بعد قليل شهر رمضان الكريم ، وهو فرصة عظيمة لمراجعة الحسابات ، وفُرصة لكل من هو بعيد عن الطريق أن يتمسك ببداية الطريق ، لست شيخاً لأتكلم عن رمضان وفضله ولكن لي بعض الأمور التى أُريد أن أُذكر نفسي وأحبابي بها ، ولعل أهمها أنه مع قدوم شهر رمضان يهل علينا عدد لا نهائى من المسلسلات التى أراها تبتعد كثيراً عما نعيش فيه وتسبب الكثير من المشكلات في المجتمع لما تقدمه من نماذج سيئة ، فتجد نجم المسلسل يلعب دور ( البلطجي ) ولكنه في نفس الوقت يقوم ببعض مواقف( الجدعنة ) التي تُعجب الجمهور فيترسخ لدى فئة كبيرة من الجمهور أن من متطلبات ( الجدعنة ) أن تكون بلطجياً ويا حبذا لو كانت حلقة شعرك تشبه نفس الشخص الذي في المسلسل وسوف لا يكتمل هذا بالطبع إلا إذا سميت نفسك اسم غريب مثل الأسطورة أوالبطل أو ملك الجدعنة وحاول أن تُقنع بعض الأشخاص المقربين لك أن يُنادوك بهذا الإسم أمام الناس حتى تشعر بالفخر الشديد ، لا أعرف مصدر هذا الفخر ولكن هذا النوع من الناس يشعر بالفخر بهذه الأشياء وتجد في معظم الممثلات في المسلسل يتهافتون ( يا ولداه ) على هذا الرجل ويتنافسون ويخططون من أجل الفوز بهذه الجوهرة التي مات نصف المسلسل تقريباً على يده ، ولكى تكتمل الصورة ، لابد من نشر الاسم عبر مواقع التواصل حتى ينبهر الناس بالعبقري الذي نجح أن يكون نسخة من شخص رآه في مسلسل . المثال الأول قد تضرر ولكني أعتقد أنه لم يتضرر مثل المثال الثاني عندما يرى أبطال المسلسل يركبون سيارات فارهة ويعيشون في أماكن مخصصة فقط لهذه الفئة ويرتدون ملابس تم استيرادها خصيصاً لهم ، فتجد هذا الشخص المسكين الذي يُشاهد لا يشعر بالرضا أبداً عن نفسه لأنه لايركب هذه السيارة ولا يعيش في هذا المكان ولا يرتدي هذه الملابس ولا ولا… ومهما اشترى من أشياء لا يجد سعادة حقيقية لأنه بعد دقائق يرى أمامه ما هو أفضل منها ويمكن أن نقيس على ذلك كل الأشياء لماذا لا يُصبح زوجي مثل بطل هذا المسلسل ؟ ولما لا تصبح زوجتى مثل التى أراها في هذا الإعلان ؟ مقارنات دائمة ولكنها غالباً تكون مقارنات صامتة لا يقولها الشخص لأحد في الغالب ويقولها لنفسه في صمت ، إذاً فما الحل ؟ الحل أن نفهم أن هؤلاء الذين نراهم أمامنا في حالة تمثيل ( رديء) ويُنفقون ملايين على مظهرهم حتى تجلب لهم ملايين ولربما لو امتلك الشخص الذي بجابنك الآن نفس الإمكانيات لصار أجمل أو أكثر وسامة ولركب سيارة أفضل منه ، والحل الأفضل أن نُشفق على هؤلاء فهُم يحصلون على كم هائل من السيئات بمجرد مشاهدة الملايين لهم . لماذا زادت حالات الطلاق في السنوات الماضية ؟ من وجهة نظرى المحدودة أن أحد الأسباب الرئيسية هي ارتفاع سقف التوقعات لدى الشباب في كل شيء في الزواج فالفتاة تعتقد أنها ستعيش نفس معيشة البطلة والشاب يعتقد أنه يعيش نفس معيشة البطل متناسين حقيقة هامة أنه ليس بطلاً ولا هي بطلة ، نحن أُناس عاديون نأكل ونشرب وننام ونختلف أحياناً ولكن لا نفعل مثل مايفعلون ، نحن لا نقتل بعضنا البعض على أتفه الأمور، نحن لا نُريد نساء مدينتنا في فلكنا تدور… خلقنا الله بُسطاء وخلق الله هؤلاء ليلعبون هذا الدور فلو خيرونى لأخترت دوري وما تمنيت أبداً أن أكون أحداً منهم فهم يعانون، لأننا لا نرى منهم إلا ما يُظهرِون ولكي تتأكد من صحة الكلام ، يُمكن أن تستمع إلى أحد هؤلاء عندما يُصاب بشيء مما يُصيب معظمنا ، فتجده يتمنى زوال ما يمر به ويقول سوف لا أعود إلى هذا الطريق أبداً إذا نجاني الله هذه المرة ، وبعد زوالها بالفعل يرجع ربما أسوأ مما كان عليه ، ولكن ما معنى لجوئه إلى الله في هذه اللحظة ؟ أعتقد معناه أنه يعلم تماماً أنه يسير في الطريق الخاطيء وبعد فترة نسي ما قاله ورفض أن يكون شخص عادي لايلتف حوله الناس لالتقاط صوراً معه . والآن مع الفقرة المفضلة لدى المُؤلفين والمخرجين في رمضان وهي فقرة الملتحى ، فهُم يعرضون نموذجاً لشخص لا أعرف أين وجدوه ، رجل غليظ ،عيناه تكاد تقفز من وجهه بداعي أو بدون داعي ، ولابد أن يكون كاذباً ويخدع النساء ويأكل أموال الناس ، كل هذا باستخدام لحيته الطويلة ، والسؤال هل قابل أحد منا أحداً بهذه المواصفات سواء كان ملتحياً أم لا ، أعتقد أن هذه الصفات لا تنطبِق على أحد أبداً حتى لو كان من كفار قريش، المُلتحي شخص عادي مثلنا جميعاً ليس ملاكاً وليس شيطاناً كمان يُصورون . مرحباً رمضان نشُم رائحتك في كل مكان ، نُريدك أن تأتي مثل زمان ، تأتي كل عام مرة لتوازن الأركان تملأ ما ظهر في نفوسنا من نسيان .

محمد الشريف