النزاهة وتاثيرها في المجتمع

النزاهة موضوع مهم وحيوي كتبته عام ٢٠١٨ واعيد كتابته لضرورة الاطلاع عليه. امر الله سبحانه وتعالى بالطهارة والنزاهة وقال تعالى ( ولكن يريد ليطهركم )المائدة ٦ وقال الإمام علي عليه السلام ( ثمرة التورع النزاهة ) وقال عليه السلام( النزاهة من شيم النفوس الطاهرة ) وقال أيضا( النزاهة أبو العفة ) وقال أيضا ( من كان من الفقهاء صاءنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ) هناك امران سلبيان الصيانة ومخالفة الهوى وامران ايجابيان حفظ الدين والطاعة المولى مصطلح النَّزاهة في أصله اللغوي يعني: “البعد عن السوء وترك الشبهات”.ومعنى النَّزاهة في عرف اللغويين: “ترفُّع النَّفس وتباعدها عن كلِّ قبح ومعصية”، وهي بذلك تعدُّ ظاهرة إنسانيَّة تحكمها قوانين الإنسان وقيَمُه أفردًا ومجتمعات، وهذه الظاهرة توصل إلى ظاهرة الإصلاح والصلاح، ورغم أنَّ مصطلح النَّزاهة قد يتداخَل مع بعض المصطلحات – مثل مصطلح الأمانة، والأخلاق – فإنه أوسَع منها بكثير؛ إذ تشتمل النَّزاهة على قيَم الكفاءة، والاحترام، والحفاظ على الالتزامات، وتظهر النَّزاهة جلية لدى الفرد حين تَصطدم قراراته وأفعاله بالمصلحة الشخصية. وتعرف النَّزاهة اصطلاحًا في الدراسات التربوية بأنها: “البعد عن الشرِّ”، وترتبط بالبعد عن اللوم، ونَزاهة الخلق، وتتحقق النَّزاهة من خلال مَنظومة من القيَم للمحافظة على الموارد والممتلكات، واستئصال الفساد؛ منها قيمة الصِّدق، والأمانة، وعدم الإضرار. يعرف الجميع بأن الفساد مفهوم مركب له أبعاد متعددة وتختلف تعريفاته باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها إليه.فيعد فسادا كل سلوك انتهك أياً من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام كما يعد فساداً كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة و كل ما هو ضد الصلاح. قال تعالى: [ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها] وقال تعالى: [وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد] و تُعَرِّفُ منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه “سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام لتحقيق مكاسب شخصية”، ولا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى أن عمليات الفساد تسلب من البلدان طاقاتها وتمثل عقبة أداء في طريق التنمية المستدامة.. وظاهرة الفساد تشمل جرائم متعددة مثل: الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة، الإثراء غير المشروع، التلاعب بالمال العام واختلاسه او تبديده او اساءة استعماله، غسل الأموال، الجرائم المحاسبية، التزوير، تزييف العملة، الغش التجاري وجرائم أخرى، وقد عانت دول عديدة منه لأنه ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ولذا تتعدد أسباب نشوئها، ومن هذه الاسباب عدم اتساق الانظمة ومتطلبات الحياة الاجتماعية وضعف الرقابة. وللفساد آثار سلبية متعددة اهمها التأثير السلبي على عملية التنمية فينحرف بأهدافها ويبدد الموارد والامكانات ويسيء توجيهها ويعوق مسيرتها كما يضعف فاعلية وكفاية الأجهزة ويتسبب في خلق حالة من التذمر والقلق. ومن أجل القضاء على الفساد علينا ان نؤسس لمفهوم النزاهة عبر برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي وتكتسب مضموناً استراتيجياً يقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة اسبابها وتعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع ومؤسساته وإرساء المبادئ والقيم الأخلاقية للإدارة والمجتمع وتعزيزها والاستفادة من الخبرات الدولية في مكافحة الفساد وتعزيز مفهوم النزاهة كقيمة ديمقراطية ما هي النزاهة… وما حدودها…؟ هل النزاهة شعور سلبي أو عمل ايجابي….؟هل النزاهة ان لا تسرق ولا تستغل نفوذك..؟، او أن تمنع غيرك من السرقة وأستغلال النفوذ..؟هل من النزاهة ان ترى جريمة ترتكب فتسكت عنها وتغمض عينيك مادمت انت غير شريك فيها؟! أو أن تغامر بسلامتك وراحتك وتعدو وراء اللص وتمسك بتلابيبه وتسلمه الى يد القانون…؟ ان النزاهة السلبية في رأيي هي اخلاق الكسالى… والنزاهة السلبية هي ان لا تمد يدك الى المال الحرام ولكن النزاهة الايجابية ان تحمي المجتمع من اللصوص ومستغلي النفوذ. فالموظف الذي لا يسرق مال الدولة ولا يقبل رشوة لكنه لا يؤدي عملاً، رجل كريم الاخلاق ولكنه ليس رجلا نزيهاً…. لأن من شروط النزاهة هي ان لا تقبل أجرا على عمل لم تقم به. والحاكم الظالم قد يكون مستقيما في حياته الخاصة ولكنه ليس نزيها في موازين الاخلاق… فالظلم لون من الوان استغلال النفوذ، والنزاهة ليست نظافة القصد والغاية فحسب، وانما هي نظافةالوسيلة ايضا… فليس من النزاهة ان تسرق المصليين لتبني جامعاً أو كنيسة… وليس من الاستقامة ان تسرق رغيفا لتطعم طفلا جائعاً، فقد تكون قد سرقت الرغيف من طفل اشد جوعاً. والنزاهة الايجابية تحتاج الى جرأة وشجاعة وإقدام وصبر… صبر الاقوياء لا إستكانة الضعفاء. يبدو أنَّ الاعوام التي جاءت بعد عام 2003 كان نقطةَ انطِلاق النَّزاهة في العالم العربي كمفهوم وقِيَم، صرَّح بعدها المسؤولون والمختصون بعدَد من الحقائق التي أدهشَت المتابعين للشَّأن؛ حيث كشفَت هذه التقارير أنَّ العالم العربي متأخِّر جدًّا عن العالم في الاهتمام بالنَّزاهة. وقد غفلَت الكثير من المؤسَّسات العربية عن هذا الجانب؛ لأسباب، منها أنَّ الثِّقة الأخلاقية طغَت على الرقابة والمحاسبة، الأمر الذي أوجَد التحايلَ الذَّكي على الكثير من الأنظمة والقوانين، أوصل ذلك التحايل إلى قبول ما لا يجوز من السلوكيَّات التي تمثِّل فسادًا لا يُقبل، سواء من ناحية تمدُّد الصلاحيات، أو استغلال النُّفوذ، وعلى مستوى صاحب السلطة أو القوانين أو التطبيقات… ومنها كذلك الضَّعف الثَّقافي بالحقِّ والقانون من ناحية المستفيدين أو الجمهور؛ الأمر الذي يَدعو العديد من السذَّج لقبول مبادئ الفَساد من المستغلِّ؛ بسبب ضعف الوعي والجهل بالحقوق والواجبات والنُّظم. ومنها أيضًا الضَّعف الرقاب

د. صالح العطوان الحيالي