في حضرة الجبل والليل: تأملات في صمت الصخور

في أعماق الليل، حيث يذوب الضجيج في أحشاء السكون، أجد نفسي على سفح جبلٍ شامخ، تحت ضوء قمرٍ وحيد يسكب بريقه الفضي على الصخور والأشجار كرسامٍ بارع يرسم عالماً من الظلال واللمعان. هنا، في هذه البقعة النائية، يصبح كل شيء حيًا بنبضٍ خفي، ينبثق من أعماق المادة ذاتها، من تراكم الزمن على سطح الأرض، من الحكايات التي نُحتت في الصخر ونُسيت في زحام العابرين. ما الذي تخبئه هذه الصخور؟ ما الذي يجعلها تقف هكذا، بلا حراك، تتلقى ضوء القمر منذ آلاف السنين دون أن تبوح بسرٍّ واحد؟ تحت الضوء الخافت، تبدو الصخور ككائناتٍ قديمة تجمدت في لحظة تأملٍ أزلية، كأنها تفكر، أو ربما تنصت لهمسات الليل التي لا يسمعها غيرها. أخطو بينها ببطء، وأشعر أنها ليست جمادًا كما يعتقد العابرون، بل ذاكرةٌ متكلسة، تحكي قصص الرياح التي عصفت بها، والمطر الذي غسلها، والأيدي التي مستها يومًا ورحلت. كل شقٍ صغير هو أثر لحادثةٍ ما، كل انحناءةٍ هي استجابةٌ لصبرٍ طويل. إنها ليست مجرد أحجار، بل سجلات مفتوحة لحوارٍ صامت بين الأرض والكون. أما الأشجار، فهي شاهدة صامتة، تتشبث بجذورها بين الصخور، كأنها تستمد قوتها من الصلابة ذاتها. أوراقها ترتجف قليلًا تحت النسيم البارد، لكنها تبقى راسخة، تراقب القمر كما أراقبه، وربما تتساءل، كما أفعل، عن سرّ هذا الضوء الذي يسقط عليها كل ليلة ولا ينفد. هنـــــــــــا، في قلب الليل وعلى سفح الجبل، يتجلى لي اليقين بأن الجماد ليس جمادًا، وأن كل شيء يحمل حياةً مستترة لا تُرى بالعين، بل تُحس بالقلب. الصخور، رغم صمتها، تتكلم بلغة الصبر، والأشجار تهمس بلغة التحدي، والليل يفتح أبوابه لمن أراد أن ينصت. ربما كان ضوء القمر مجرد انعكاسٍ لضوءٍ أعمق، ذاك الذي ينير داخلنا حين نسمح للصمت بأن يتحدث، وحين ندرك أن الجبال لا تقف بلا سبب، بل لأنها تروي، بصمتها، كل الحكايات التي لم تكتب بعد.

عامر مروان