مرآة الليل: البركة بين الصمت والسواد

في حضرة الليل، حيث يتنفس الوجود ببطء كأنه في سكرة نسيان، تتربع البركة كعين مفتوحة . إنها ليست مجرد ماء، بل انعكاس لكل ما نخفيه وما لا نجرؤ على مواجهته. في البرد القارس، حيث يختلط الوضوح بالغموض، وحيث تتشابك الأوهام بالحقيقة، أجد نفسي أمام بركة بدت كأنها تهمس لي أسرارًا قديمة، أسرارًا لا تقال إلا لمن يجرؤ على الإنصات لصمت الليل. البركة… ساكنة، لكنها أبعد ما تكون عن الهدوء. سطحها مرآة مشوهة تبتلع الضوء وتعكسه بارتعاش، كأنها ترفض أن تُرى بوضوح. في حوافها، تنبثق ظلال الأشجار كأصابع متشابكة، كأنها تحاول انتشال شيء دفن منذ زمن. انعكاس القمر عليها ليس كاملًا إنه ممزق كحلم فقد هيبته. بريقه على الماء شاحب، كأنه نور كسيح يحاول النهوض لكنه ينهار مرة تلو الأخرى في أعماق البركة. وأنا أجلس هناك، تتلاعب البرودة بي كأنها تذكرني بضعفي أمام هذا المشهد. صوت تنفسي وحده مسموع، لكنه يبدو غريبًا، كأن البركة نفسها تبتلعه مع الصمت من حولها. البرد ليس فقط شعورًا خارجيًا، إنه يتغلغل في الداخل، يوقظ كل خوف دفين وكل تساؤل معلق. ماذا لو كانت هذه البركة نافذة إلى عالم آخر؟ ماذا لو أن انعكاس القمر ليس إلا طيفًا لماضٍ مات لكنه يرفض الرحيل؟ الماء يبدو هادئًا، لكنه يخفي اضطرابًا داخليًا، كأن في أعماقه أرواحًا عالقة تصرخ بصمت. كل موجة صغيرة، كل اهتزازة، هي رسالة مشفرة من قاع البركة، رسائل لا يفهمها إلا من أمعن النظر طويلًا في سوادها. ظلال الأشجار تنحني فوق الماء، كأنها تشهد طقوسًا خفية تُقام كل ليلة دون أن يدري بها أحد. الليل هنا ليس مظلمًا فقط، إنه أشبه بكيان حي، يراقب ويصمت، يلتف حول البركة كوشاح كوني يطمس كل ما هو معلوم. وأنا؟ مجرد شاهد صغير على مسرح أكبر مما أستطيع فهمه. هنا، لا تسري قوانين الزمن، ولا تنطبق معايير المنطق. كل شيء يبدو ساكنًا، لكنه يحمل في أعماقه اضطرابًا عظيمًا، وكأن البركة قلب العالم الذي ينبض بهدوء قبل أن ينفجر. حين وقفت مغادرًا، شعرت أن البركة تناديني، لا بصوت مسموع، بل بنظرة صامتة تسكن أعماق الماء. القمر ظل عالقًا في تلك السطحية الشاحبة…….

عامر مروان