ثقافة وفن

تلاقي الأفكار

في عالمٍ مليء بالألوان، حيث تتراقص الظلال وتلعب الأفكار، سرتُ في دياجير الإدراك. كيف تلتقي الحواس والعقل، في خضم الزحام، لتصنع وَهْمًا يُعبرُ عن الحقيقة؟ يا قلبي، إن إدراكنا ليس سيلًا جارفا، بل هو نهر متعرج، يتأثّر بشَطآن البيئة، وعبور الآخرين. كل نظرة لنا، كل فكرة تُفجرها جائبة الذكرى، تصنع جسرًا بين إنسان وآخر، لكن الجسر معرّض للانهيار. كل منا يحمل مشاعره وأفكاره في علبٍ زجاجية، ملوّنة، قد تعكس ضوء الحقيقة أو تُخفيه في سُحب الوهم. ما أصعب أن نتذكّر دوماً أن أحكامنا ليست سوى انعكاساً لما ندرك. آراءنا، مثل المرايا، تُظهر ما أمامها، لكنها قد تُشوه ما هو حقيقي. نتأمل العالَم، لكننا أحياناً نتورط في ظلاله، ننسى أن خلف كل الرؤى روحًا تتوق لفهم المعنى. عندما نسير في درب المعرفة، يجب أن نكون حذرين. الأفكار تأتينا من كل حدب وصوب، وكثيرٌ منها مزور، يُنظر إليه بشغفٍ بينما هو مجرد سراب. العقل موطن التكليف، وبه نحمل وزر خياراتنا، نتعلّم منها، نتغيرُ عنها، ولا ضير في ذلك. فالتغيّر تلك فطرة من فَطَرَ الوجود. تدور حياتنا، كالأرض حول الشمس، بين الحق والباطل، بين الوهم والحقيقة. لكن، هل يمكن لنا أن نميز؟ هل سننجح في البحث عن العلم وسط الزخارف الزائفة؟ أو هل سنظل عالقين في دوامة إدراكية، تُخفي عنا جوهر الأمور؟ فليكن كلُ منا مرشداً لديه بصيرته، وليكن الإيمان أحد أجنحته، نحو سماء الحكمة. فلنسأل أنفسنا، أين نقف؟ وماذا نرى؟ وكيف نستطيع أن ننقّي عقولنا من الضباب، لنصل إلى هواء المعرفة النقي؟ في النهاية، الأذهان تنضج كالفواكه، تحتاج للوقت، والاعتناء، والجلوس في شموس المعرفة، فليكن كل إدراك سبيلاً لاكتشاف الذات وتفهّم الآخر، وما أجمل أن نلتقي في دائرة الفكر، لنغتني بتجاربٍ لا تنتهي.

قتيبة حسين علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى