مجتمع وحياة

المساواة وأخلاق السلف

أخرج الامام البخاري في صحيحه عن ابي ذر رضي الله عنه قال : ساببت رجلا فعيرته بامه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم :
“يا ابا ذر أعيرته بأمه انك امرؤ فيك جاهلية ، اخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت ايديكم ، فمن كان اخوه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فاعينوهم “.
إن ما يعتز به الفرد ، ويرتفع به المجتمع ، وتعلو به الامم الى أوج العلى والكمال ، هو اتصافهم بالاخلاق الكريمة ، والصفات الحميدة ، والسجايا الفاضلة ، والمزايا الحسنة ، حتى يكون لهم القدح المعلى في ذلك على سائر الشعوب والأمم .
وإن اجل من اتصف بتلك الصفات ، وأحسن من تخلق بهذه المزايا والخصال ، هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بما كانوا عليه من نفوس متواضعة ، وقلوب بيضاء نقية ، وصدور سليمة من الاحقاد والأضغان ، وحسبنا من ذلك ما نعرض له في شرح هذا الحديث الشريف مما وقع لابي ذر وبلال :
حصل نزاع وشجار بين رجلين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم احدهما ابو ذر جندب بن جنادة الغفاري السابق في الاسلام ، والآخر بلال الحبشي مولى ابي بكر الصديق ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابو ذر لبلال معيراً له بامه يابن السوداء ، ويابن الأعجمية او كلمة تشبهها فشكاه بلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله عليه وسلامه عليه لأبي ذر : ” يا ابا ذر أعيرته بامه انك امرؤ فيك جاهلية ،”يعني خصلة من خصالها ، وخلق من اخلاقها التي قضى عليها الاسلام ، وذلك بمجاوزة خصمك في سبابه بمن لا حق لك عليه من ابيه وامه ، ثم أتبع قوله عليه السلام لابي ذر بتلك الوصية القيمة ، والنصيحة الثمينة فقال : ( اخوانكم ) في الاسلام اي من العبيد والارقاء والأماء (خولكم ) خدم لكم يصلحون من شأنكم ويقومون بأعبائكم ( جعلهم الله تحت ايديكم ) في الملك والتصرف ( فمن كان اخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ) اي من جنس ما يأكله من ألوان الطعام وأصنافه من غير تفريق بين السيد والمسود على أساس المساواة في الاسلام ( وليلبسه مما يلبس ) ولذا لقي المعرور بن سويد أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة مثلها فسأله عن ذلك فروى له هذا الحديث ( ولا تكلفوهم ما يغلبهم ) بان يكون التكليف شاقاً مضنياً لا يستطيعون القيام بأعبائه ( فإن كلفتموهم فأعينوهم ) بأنفسكم او بضم خدم اليهم . بهذا القدر الوجيز انتهت وصية السيد الحكيم لابي ذر ، وما كاد ابو ذر يسمع هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هانت عليه نفسه ، وذهبت حدته ، روى البرماوي انه لما شكاه بلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له شتمت بلالا وعيرته بسواد امه قال : نعم قال : حسبت انه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية ، فألقى ابو ذر خده على التراب ثم قال : لا ارفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه .
في مثل هذه الاخلاق الكريمة، والنفوس السامية ، والقلوب النقية بلغ المسلمون ما بلغوا من عز ومجد ، وعظمة وفخار ، فأين نحن اليوم من منازعات الاحزاب ، ومنافسات الاقران من الزعماء ، والحكام التي أدت بنا الى ما نراه ويراه الناس .
هذا نموذج يسير ، ومثال بسيط من منازعات الصحابة ورجوعهم الى الحق ، واقتفائهم منهج العدل والصدق ، اوردناه ليكون تذكرة لمسلمي عصرنا في منازعاتهم علهم يقتفون اخلاقهم ، ويسيرون سيرهم ليسودوا كما ساد الأولون من آبائهم الأكرمين ، حماة الشرع والدين .

المؤلف : الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي

الكاتب : لميس الرفاعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى