مقالات

رمضان.. مدرسة الروح والوجدان


رمضانُ.. نفحةٌ من رحمةِ اللهِ تهبُّ على القلوبِ العطشى، فترويها بنورِ الإيمان، وهو موسمُ العروجِ بالروحِ إلى مراتبِ الصفاءِ والنقاء. فيه تتجلّى أعظمُ الدروسِ التي تعيدُ للإنسانِ توازنَهُ بينَ متطلباتِ الجسدِ وأشواقِ الروحِ، فتصقلُ النفسَ، وتسمو بها في فضاءِ الطهرِ والسكينة. أولًا: الصبرُ والمجاهدةُ.. مفاتيحُ الترقِّي رمضانُ يعلمنا أنَّ الصبرَ ليس مجردَ احتمالٍ، بل هو قوَّةٌ تسكنُ القلبَ فتجعلُهُ مطمئنًّا رغم الجوعِ والعطشِ ومشقةِ الصيامِ. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾صدق الله العظيم(الزمر: 10). فكلُّ لحظةِ صيامٍ تروي شجرةَ الثباتِ في أعماقِنا، وكلُّ تعبٍ يزولُ ليُخَلِّفَ وراءَهُ نورًا في القلبِ، كما قال الشاعر: وَإِذا تَأَذَّيتَ مِن شَوكِ القَتادِ فَما تَجني سِوى العَسَلِ المُصفّى حينَ تَجتَني ثانيًا: العطاءُ والتراحمُ.. لغةُ القلوبِ النقيَّة رمضانُ يُزهرُ القلوبَ بماءِ الإحسانِ، فنتعلَّمُ فيه أنَّ السعادةَ الحقيقيةَ تكمنُ في العطاءِ، وأنَّ اليدَ الممتدَّةَ لمواساةِ الضعيفِ هي أقربُ إلى اللهِ من يدِ الآخذِ. قال النبيُّ ﷺ: “أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ”صدق رسول الله(رواه الطبراني). وفي هذا يقولُ الحكماءُ: *”من ذاقَ حلاوةَ البذلِ نسيَ مرارةَ الفقدِ”*، فما أجملَ أن يكونَ المرءُ كالسحابةِ.. تمرُّ على الأرضِ فترويها، ولا تنتظرُ المقابلَ. ثالثًا: التوبةُ والعودةُ إلى الله رمضانُ هو نافذةٌ مفتوحةٌ للغافلين، تُذكِّرُنا بأنَّ بابَ اللهِ لا يُغلقُ، وأنَّ الدمعَ الصادقَ يمحو ما كانَ من الزللِ. وفي هذا يقولُ الشاعر: إِذا استَغفَرتَ اللَهَ مِن كُلِّ زَلَّةٍ وَنادَيتَهُ حُبًّا أَتاكَ جَوابُهُ وفيه تتجسَّدُ أسمى معاني العودةِ، فنشعرُ بقولهِ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾صدق الله العظيم(البقرة: 186). رابعًا: الحبُّ في أبهى معانيهِ رمضانُ يُعلِّمنا أنَّ الحبَّ ليسَ كلماتٍ تُقالُ، بل مواقفٌ تُعاشُ. هو حبُّ اللهِ حينَ تصومُ له، وحبُّ العائلةِ حينَ تشعرُ بلذَّةِ الاجتماعِ معهم، وحبُّ الإنسانيةِ حينَ تمتدُّ يدُكَ بالعطاءِ. في هذا يقولُ جبران خليل جبران: “الحبُّ في قلوبِنا كالماءِ في الينابيعِ، لا يجري إلاَّ إذا تفتَّحت لهُ السُّبُلُ.” ختامًا.. رمضانُ نبضُ الحياةِ رمضانُ ليسَ شهرًا في التقويمِ فقط، بل هو درسٌ خالدٌ في مدرسةِ الروح. فمن ذاقَ معانيه بصدقٍ، عاشَ في أنوارِهِ حتى بعدَ رحيلهِ، وخرجَ منهُ أنقى قلبًا، وأصفى روحًا، وأعظمَ إنسانًا.

ماجد حميد رشيد النعيمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى