ثقافة وفن

الأمواج القاتلة

مرآة الصخب الداخلي وسر التحولات الكبرى في قلب البحر،

حيث يمتزج اللامتناهي بالمجهول، تنبثق ظاهرة الأمواج القاتلة،

تلك القفزات الوحشية التي تفاجئ السكون وتبتلع الهدوء.

ليست مجرد أمواج،

بل هي نداء من أعماق الأرض،

تخبرنا أن تحت السطح،

تختبئ قوى تنتظر لحظة الانفجار.

رأيتها بعيني،

ليست كظاهرة طبيعية فقط،

بل كمرآة تعكس أغوار النفس البشرية،

حيث تكمن التغيرات العنيفة التي تعيد تشكيل الروح.

تبدأ الأمواج القاتلة بلا إنذار،

تُخفي نفسها بين الموجات الصغيرة، حتى تتحول فجأة إلى جدران من الماء،

ترتفع إلى عشرات الأمتار. ظننتُ أنني أشاهد شيئًا خارج عن قوانين الطبيعة،

لكنها كانت أقرب ما تكون إلى النفس البشرية.

أليست الحياة ذاتها تحمل هذه المفاجآت؟

نعيش أيامنا في رتابة، نظن أننا نفهم الإيقاع،

لكن فجأة تضربنا أمواج القدر، تحملنا إلى أعماق لم نتخيلها.

عندما وقفتُ أمام تلك الأمواج، شعرت كأنها تحدثني عن صراعاتنا الداخلية.

نحن، مثل البحر،

نبدو هادئين في الظاهر،

لكن داخلنا صخبٌ خفي، تيارات لا تُرى،

وجروح لا نبوح بها. تأتي لحظات، مثل تلك الأمواج، لنواجه أنفسنا. قد تبدو تلك اللحظات مدمرة، تُسقطنا،

تُغرقنا،

لكنها تحمل في طياتها إعادة تشكيلنا.

الأمواج القاتلة لا تدمر عبثًا؛ إنها قوى تعمل على إحداث التغيير،

تهدم القديم لتبني شيئًا جديدًا. كذلك نحن،

نعيش تجارب تبدو كأنها نهايات،

لكنها في الحقيقة بدايات لعالم جديد نصبح فيه أقرب إلى حقيقتنا.

عندما انتهى المشهد،

وعادت المياه إلى هدوئها،

أدركت أنني لم أكن مجرد متفرج على ظاهرة طبيعية.

الأمواج القاتلة هي الحياة بحد ذاتها، هي أنا وأنت وكل من يبحر في هذا العالم.

إنها تذكرنا بأن التغيرات العنيفة ليست إلا طريقًا نحو النضج،

وأن السقوط قد يكون فرصة للارتقاء.

أدركت أنني لست ضحية لتلك الأمواج،

بل جزء منها. إنها جزء مني، وأنا منها.

وفي كل مرة أشعر أن الحياة تضربني بقوة،

أعود إلى تلك اللحظة،

حيث أدرك أن الأمواج،

حتى في عنفها، ليست إلا طريقة الطبيعة في خلق شيء جديد.

عامر مروان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى