الركوع والسجود فى القرآن الكريم ..

فى القرآن الكريم نلاحظ أحيانا بأن الله تعالى يذكر الركوع فقط .. وأحيانا يذكر الركوع والسجود معًا .. وأحيانا أخرى يذكر السجود فقط .. فما السر فى ذلك ؟ السجود ركن من أركان الصلاة .. وأقرب ما يكون العبد من ربه أثناء سجوده .. وقد ورد الركوع والسجود فى القرآن بصيغة الإخبار وبصيغة الأمر .. فمن الآيات التى ورد فيها الإشارة إلى السجود فى سياق الإخبار قوله تعالى فى سورة الحج: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) الحج 26 هنا ذكر تعالى الركوع والسجود بالترتيب بصيغة الاخبار وليس الامر .. وفى سورة الفتح يقول تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) الفتح29 وهنا أيضا ذكر الركوع والسجود بالترتيب فى سياق الاخبار .. وفى سورة السجدة قال تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) السجدة 15 والآية فى سياق الإخبار عن الخشوع .. فذكر السجود فقط والذى يكون فيه الخشوع والتذلل لله تعالى .. فى سورة الفرقان قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) الفرقان 64 وهذا إخبار أيضا عن عباد الرحمن وفى سياق المدح لهم فذكر سجودهم له .. وفى سورة مريم يقول تعالى: (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) مريم 58 وهنا أيضا إخبار عن الذين هداهم الله واجتباهم وعن خشوعهم له تعالى وبكائهم .. وفى سورة الإسراء: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) الإسراء107 وهنا فى سياق المدح للذين أوتوا العلم وكيف يكون خشوعهم عندما يتلى عليهم القرآن وأيضا فى سياق الاخبار عنهم .. وفى سورة النحل يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) النحل48 أيضا فى سياق الإخبار أما الآيات التى ورد فيها السجود بصيغة فعل الامر فمنها قوله تعالى فى سورة فصلت: (….لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) فصلت 37 هنا ينهى الله تعالى عن السجود لغير الله .. والأمر بالسجود لله وحده وهذا أمر في سياق العموم والشمول .. وقال تعالى فى سورة الفرقان: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) الفرقان 60 والآية فى بيان استكبار هؤلاء الكفار إذا أُمِرُوا بالسجود لله .. وقد يأتى فى بعض المواضع ذكر الركوع فقط دون السجود .. ومن ذلك قوله تعالى فى سورة البقرة فى سياق الحديث عن بنى إسرائيل الذين يكتمون الحق ويشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا فقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة 43 فذكر الركوع ولم يذكر السجود لأنه لم يجد فى قلوبهم الصدق وحب التقرب إلى الله .. والسجود قرب من الله ومحبة له .. ومثل ذلك ما جاء فى سورة المرسلات فى قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) المرسلات 48 لم يأت بالسجود هنا لأن السجود فيه قرب من الله وخلوة معه تعالى وهؤلاء لا يأتون بالركوع الذى هو من مقدمات السجود فهل سيأتون بالسجود ؟!! أما الركوع والسجود فقد جاء فى سورة الحج فى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الحج 77 فقد أمرهم الله تعالى بالركوع والسجود لأنهم مؤمنون بالله .. وجاء بالركوع قبل السجود وهذا هو الترتيب الطبيعي لأهل الإيمان فيأمرهم بالركوع أولا لتتهيأ قلوبهم للخلوة مع الله والتقرب إليه وبعد ذلك يسجدوا .. إذن فمع المؤمنين ركوع ثم سجود وهذا خاص بالمؤمنين .. والآن لاحظوا مع الخاصة وفى سياق السيدة مريم ستكون هنالك خصوصية أكثر .. فقال تعالى فى سورة آل عمران: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) آل عمران 43 هنا فى سياق الأمر وليس مجرد الإخبار عنها .. وجاء أمرها بالسجود ثم الركوع فلماذا قدم السجود على الركوع ؟!! لأن السيدة مريم تفيض حبًا لله تعالى وتشتاق إلى الخلوة معه ومتعجلة لذلك وهو تعالى يعلم بهذا .. لذا قدم لها ما تشتاق إليه وتبتغيه وهو السجود ولكنه أمرها بعد ذلك بالركوع لكي تستمد الطاقة من جديد وتتهيأ من جديد لأن القرب والخلوة مع الله ليس بالأمر الهين .. والآن نأتى على خاصة الخاصة مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فنجد أن الله تعالى لم يقل لنبيه صلى الله عليه وسلم اركع أبدا بصيغة الأمر لا قبل ولا بعد السجود بل يأمره بالسجود مباشرة ولا يشير إلى الركوع أصلا !! وهذه خاصة للرسول عليه الصلاة والسلام وذلك لأنه لايحتاج إلى أن يتهيأ للتقرب والخلوة مع الله أثناء الركوع بل أنه يقترب مباشرة .. وهو أصلا فى خلوة وقرب دائمين مع الله ولا ينقطع عن ذلك أبدا حتى وهو نائم صلى الله عليه وسلم .. لذا نجد أن الله يأمره بالسجود مباشرة دون ذكر الركوع أصلا فقال تعالى فى سورة الحجر: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) الحجر 98 وجاء ذلك فى سياق الأمر وليس الإخبار .. وقال فى الشعراء: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء 219 أي إنك منذ الأزل تتقلب فى أصلاب الساجدين .. وفى سورة الإنسان قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) الإنسان26 أيضا نلاحظ أن الله أمره بالسجود مباشرة دون ذكر الركوع ..
فرج هنداوي