في حضرة العدم

لا شيء هنا سوى العدم. ظلام ممتد، كثيف، لا يُرى بل يُحس، يتسلل تحت الجلد، يتغلغل في الروح حتى يصير جزءًا منها. أجلس وحدي في هذا الفراغ الهائل، لا أرض تحتي ولا سماء فوقي، لا هواء، لا صوت، لا أي دليل على أنني موجود سوى الشعور الغامض بأنني لم أُمحَ بعد. جسدي كأنه فكرة هامشية تائهة بين بقايا كون احترق منذ الأزل، وروحي كغبار كوني تذروه الرياح في مجرة خالية من الحياة. الظلام هنا ليس مجرد غياب للنور، بل كائن يزحف نحوي، يلامس وجهي بأنامل باردة، يتنفس في أذني كأنفاس ميت عاد ليهمس بسرّ مجهول. أحاول تحريك يدي، فلا أجدها، كأنني أفقد شكلي تدريجيًا، كأن الفراغ يلتهمني بصمت، يحوّلني إلى جزء منه. حتى أنفاسي… هل ما زالت هناك؟ أحاول أن أصغي، لكن لا شيء، لا صوت، لا همسة، كأنني لم أعد أكثر من فكرة تتلاشى في زوبعة من الصمت المطلق. الزمن هنا ليس شيئًا يُقاس، لا ماضٍ ولا مستقبل، فقط لحظة ممتدة تتكرر بلا نهاية، تسحق الإدراك تحت وطأتها. لا بداية لهذا الفراغ ولا نهاية، كأنني سقطت في هاوية لا قاع لها، أسقط وأسقط، لكن لا اصطدام، لا ألم، فقط سقوط أبدي. المشاعر تتلاشى، لا خوف، لا راحة، لا حزن حتى، بل شعور مبهم، كأنني شاهد على موتي، كأن روحي تنظر إليّ من الخارج وترثي نفسها في صمت. العزلة هنا ليست مجرد وحدة، بل اختفاء. لا أحد هناك ليبحث عني، لا أحد ليسمع نداءً لن يُقال. حتى الفكرة التي كنتها من قبل تبدو الآن غريبة، بعيدة، كأنني لم أكن شيئًا يومًا. ربما كنتُ ظلًا لكائن مات منذ دهور، ربما لم أكن سوى خطأ في حسابات الوجود، شذوذًا في نسيج الزمن طرده الكون إلى هذا الفراغ ليموت بصمت. وهكذا، أظل هنا، لا كشخص، بل كإحساس غامض يسكن هذا الظلام. لا أبواب تُفتح ولا نوافذ تُطلّ على أي ضوء، لا نهاية لهذا التيه، ولا حتى بداية يمكن الرجوع إليها. مجرد نسيان يتمدد، يتسع، يبتلع كل أثر. ببطء، يذوب الإدراك، تتلاشى الفكرة الأخيرة، حتى لا يبقى شيء سوى الفراغ… سوى العدم.

عامر مروان