مقالات

“لنبنِ أوطانًا لا مقابر”

إلى متى يا بني الإنسان؟ أما آن لهذا الجنون أن يخمد؟ أما آن لليل الحروب أن يغمد سيفه المسموم ويكف عن صليله المأفون؟ كم جنت البشرية من الحروب غير الدمار؟ كم حصدت من أشواكها سوى الدموع والدماء والفقر والشقاء والتيه والبكاء؟ أما آن للأرض أن تستريح؟ أما آن للإنسان أن يصغي لصوت العقل لا لصدى المدافع؟ أما آن للقلوب أن تتصافى وللأرواح أن تتعانق وللأيدي أن تتكاتف لا تتصارع؟ أما آن أن نبني بدل أن نهدم؟ أن نعمر بدل أن ندمر؟ أن نزرع بدل أن نقتل الزرع والنسل؟ أين رواد العلم؟ أين حماة الفكر؟ أين منارات الحضارة؟ أما آن أن نرتقي بالمعرفة لا بالمعارك؟ أن نطيل عمر الكتاب لا أمد الحراب؟ أن نشعل مصابيح الثقافة لا فتائل القنابل؟ ألا يحق لأطفال غزة أن يلعبوا كما يلعب أطفال العالم؟ ألا يحق لأمهات اليمن أن ينمن دون فزع؟ ألا يحق لشيوخ الشام أن يسكنوا في بيوت آمنة لا تحت ركامها؟ ألا يحق لبنات لبنان وأبناء العراق وأحرار وطننا العربي الكبير أن يتنفسوا نسائم السلام بدل رائحة البارود؟ كفانا انكسارًا بين أقدام الطغيان كفانا ارتهانًا لخطابات الموت والدمار كفانا سجالًا بين عنف وعنف وانتقام وانتقام فلنحاور لا نحارب ونعانق لا نعاند ونبني لا نفني ونزرع بذور التسامح والوئام في أرض طالما رويت بالدماء يا صناع القرار يا من تملكون مفاتيح الغد اجعلوا من القلم سلاحًا ومن الفكر قلعة ومن العلم جناحًا ومن الثقافة قارب نجاة ولتعلموا أن الأمم لا تنهض على صهيل الخيول بل على صدى العقول ولا تُبنى على الجثث بل على قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية السلام ليس استسلامًا بل استقامة والتنمية ليست رفاهًا بل حياة والوئام ليس ضعفًا بل حكمة فلنُشعل شعلة الضمير قبل أن يلتهمنا لهيب المصير ولنعد إلى إنسانيتنا قبل أن نصير أرقامًا في تواريخ الحروب وسجلات المآسي.

“م. د. هائل العبيدي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى