التكنولوجيا والسلوك البشري
التكنولوجيا هي سمة العصر، وهي أيضا لغة العصر، والتي بسببها تغيرت وسائل وطرق التواصل بين البشر، أو بالأحرى تطورت. ولكن في حقيقة الأمر هذا التطور أصبح عكسي، وأصبح يقلل التواصل بين البشر، في حين أنه زاد التواصل بين الإنسان والجهاز الإلكتروني الذي يستخدمه، وأصبح مثل ظله ولا يفارقه! وغالبا ما يكون هذا الجهاز هو الموبايل أو جهاز المحمول. الذي زاد تطوره بشكل سريع وملحوظ خلال العشر سنوات الأخيرة، وذلك من حيث تطور التطبيقات وتنوعها واختلافها. حيث أصبح جاز الموبايل يغني الشخص عن استخدام عدة أجهزة في عصور سابقة. على سبيل المثال، في عهد سابق كان البعض يسير وفي جيبه كتيب ملاحظات صغير وقلم ليدون به أهم الأشياء الذي يحتاجها أو يلاحظها، أو ربة المنزل كانت تشتري طلبات المنزل وفي يديها ورقة صغيرة مكتوب بها الاحتياجات المنزلية، وأيضا كان البعض يحمل معه أثناء الخروج بعض الكروت الشخصية الهامة، أو نوتة بها أرقام التليفونات الضرورية، وبعض المحاسبين يكون معهم آلة حاسبة صغيرة في حقيبة يده؛ أو بعض الأوراق والملفات الضرورية للعمل. ولكن الآن تم الاستغناء عن كل ذلك هذا الأدوات والأشياء، بحيث أصبح جهاز الموبايل يحتوي على كل ذلك، وأكثر! فأصبح كل إنسان يحمل جهاز واحد عليه حياته، كتبه ورواياته المفضلة التي يقرأها، وألعابه التي يحبها بل ويدمنها، وأرقام تليفونات جميع من يتواصل معهم من الأشخاص والمؤسسات وغيرها، وأيضا جميع البرامج والمقاطع المصورة التي يعشقها، وأيضا قوائم الأغنيات التي يسمعها بشكل مستمر، وجميع أعماله التي يحرص عليها، إلخ. وبدل من استخدام التكنولوجيا لتقليل فجوات التواصل بين البشر، أصبحت تستخدم لتجاهل البشر، وأصبح كل شخص يعيش في زادته وممتلكاته الوهمية، وحياته الرقمية التي ينميها ويحرص على متابعتها ومشاهداتها، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين البشر وبعضهم البعض يوم بعد يوم. وبالتالي أثر كل ذلك على السلوك البشري للفرد وطبيعته البشرية، بحيث أصبح كل إنسان يعمل على تطوير صوره وحياته الرقمية، ولكنه لا يعمل على تطوير سلوكه وذاته وأخلاقياته ومعتقداته. وأصبح هناك حالة من التبلد تسيطر، بشكل غير مسبوق، على البشر وأفعالهم. وقد تلاحظ أن غالبية البشر يسيرون في الشوارع بكتف ورأس منحني، ممدين أبصارهم في أجهزتهم المحمولة، ولا ينظرون إلى بعضهم البعض، وأيضا في وسائل المواصلات العامة، وفي التجمعات العائلية التي هي الغرض منها تواصل أفراد الأسرة والعائلة. مما أدى إلى زيادة السلوك العدواني بين البشر وبعضهم البعض، وأيضا زادت حالات الإدمان الرقمي للألعاب المختلفة ومشاهدة المقاطع القصيرة التي لا تنتهي ولا تتوقف، كما زادت حالات الانتحار بسبب الألعاب التي تحث الشباب على ذلك، أو بسبب تبعات مشاهد الطعام الفاخر أو الأماكن المختلفة في جميع أنحاء العالم، والتي يعيش فيها الشخص من خلال موبايله، مما يؤدي إلى عدم إحساس الشخص بالقدرة على مواكبة الحياة ومتطلباتها، ويزيد من عدم إحساسه بالرضا، مما يجعل الشخص يدخل في حالة اكتئاب، ومن ثم يقدم على الانتحار. وفي ذات السياق، فقد زادت حالات الطلاق والخلع بين المتزوجين، وبخاصة المتابعين لحياة أزواج أخرين على مواقع التواصل المختلفة، مما يجعلهم دائما في حالة من الصراع بين واقع الحياة التي يعيشونها والحياة التي يشاهدونها في الموبايل. كل هذه الحالات وغيرها، تؤثر سلبا على جودة حياة الإنسان وسلوكه البشري، الذي هو مأمور بإصلاحه، حيث أكدت جميع الديانات السماوية على أهمية حسن الخلق، وحسن التعامل بين البشر وبعضهم، وأيضا بسن البشر، بل وكل كائن حي من حيوانات وجماد ونبات. لذلك احرص دائما على التواصل المباشر مع البشر والحيوانات والطبيعة، واصبر على أفعالهم وتفهمها بروح الإنسان التي وهبك الله إياها، وحاول جاهدا أن تفك رابط الإدمان الذي يربطك بجهازك المحمول، واستمتع بحياتك الحقيقية وليست الرقمية.
بقلم د. إيمان يسري خبيرة بصمة الصوت