مجتمع وحياة

الخوف

ذاك الوحش الساكن في زوايا النفس، يزداد بؤسه كلما تغافلنا عن حضوره. أحياناً، يصل الخوف إلى قمة الهاوية، حتى نعجز عن التقدم خطوة واحدة نحو النور. يقف الإنسان أمام عتبة الشلل النفسي، كمن يواجه سيفاً مصلتًا، يسكنه الذعر، ويعميه عن رؤية الطريق. في تلك اللحظات، يشعر بأنه قد فقد القدرة على التحرك، والأسوأ من ذلك، فقدان الحس والتفاعل مع الحياة، لتنقلب مشاعره إلى بلادة موت نفسي. إن المعضلة تكمن في أن الخوف -بكل ثقل وجوده- يضفي على الحياة طابعاً قاتماً، يجرد الإنسان من حقه في الشعور، وكأنه ينكر ذاته. ولعلها إحدى أكثر أدوات التشويه وضوحاً في عصرنا الحالي، حيث يُجبر الفرد على ظلٍ باهتٍ، فيتوارى عن الوجود الواقعي ويصبح سجينا لأفكاره المخيفة. في خضم هذه المعضلة النفسية، ينبثق ضرورة التفاعل مع الخوف، بمعايشته بدلاً من الدفن والترحيل. أي شعور دون فرصة للعيش يظل كائنًا مُعذَبًا، يفتقر إلى الجذور التي تمكّنه من النمو. إن كان للخوف قدرة على إذلالنا، فإن مواجهة تلك المشاعر -وإن كانت مؤلمة- هي الخطوة الأولى نحو التجدد والنمو. لذا، لنقبل بالخوف، ونخوض تجربة عيشه بعمق، لأنه جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني. فكلما تقبلنا حقيقة مشاعرنا، سنبني جسوراً من النور في ظلام الخوف، ونسمح لأنفسنا بأن نعيش التجربة بكل بهائها وجمالها، بدلاً من الانزلاق في فخ البلادة والتنكر للذات. فالحياة ليست خالية من المخاطر، لكنها في نفس الوقت مليئة بالفرص التي تنتظرنا أن نلتقطها.

همام حسين علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى